من ردهة غرفته في دار المسنين الذي يطل على مدرسة ،يرى (جدو وحيد ) - كما يلقبونه في الدار- الأولاد الصغار يلعبون ..يداعب أحدهما الأخر و تتعالى ضحكاتهم فيضحك معهم .
منذ سنوات تبدو له قليلة كان مثلهم يلعب و يضحك و ضحكه يملأ الجو ..و ها هم يرمون الكرة و إذ بها تعلو ثم تستقر في ردهته ويمسكها براحة يديه .. فرح بها و تذكر أيام شبابه عندما كان قائد فريقه في كرة اليد .. و كان أفراد الفريق يعطونه الكرة فيسددها في المرمى مباشرة ..تحسس الكرة بيده و نظر لنفسه ..الآن هو عاجز، يتحرك على كرسي متحرك.. يلهث، خلف قطار الزمن .
"الكرة يا جدو "هكذا ينادي الاولاد منتظرين ان يدفع الكرة لهم ليستكملوا اللعب فيتخيل نفسه في الملعب فيقذفها بقوة كادت تخلع مفاصله.. و لكنه سعيد .. فلا زال فيه شيء من الحياة ..يكتشفه بعد كل هذه السنين.. متأخرا .. و قد اقتربت محطة نزوله..
الممرضة تأتي لتعطيه الدواء ..بها جمال هاديء و ابتسامة حانية و فيها شباب افتقده منذ فترة طويلة ..تقول له بود "عامل ايه يا جدو "فيبتسم بسخرية .
يستلقي على الكرسي .. يحلم ثانية ..يتذكر شبابه ،حبه ،عواطفه
و أحاسيسه القديمة التي غطاها تراب الزمن .
إنه يوم غريب جديد عليه أثار فيه مشاعر الشباب و حماسه .
أصبح متقلقلا علي الكرسي ،يقبض بشدة على اليدين ..يدفعه يمينا و يسارا كأنه في مباراة ..يهزه بقوة ..يحاول أن ينهض فلا يستطيع ..هل التصق بالكرسي؟! أصبح يروح و يجيء بروح مضطربة رافضة للواقع ،صوت الأطفال يعلو و صور الماضي تهيج مشاعره .
الكرة تعلو و تقترب منه ثانية ،"لا زال في القوة،سأمسكها و ليكن ما يكون " .."الكرة ..امسكها يا جدو " فينهض ليمسكها فيسقط على الأرض صامتا و يندفع الكرسي بعيدا ضاربا عرض الحائط.
No comments:
Post a Comment