لا تكاد تراه كثيرا في مطعم المستشفى ،فعادة ما تكون مشغولا بحديثك مع الأخرين ،فتتعالى ضحكاتكم أو همساتكم .. و عادة ما يأتى هو بعدما يرحل الضيوف..فيتركون منضدتهم و يمسحها هو. كان نحيلا ..قصيرا ..يغريك أن تسخر من شكله..أو تشفق عليه .
أنظر لعينيه ترى فيهما حزنا دفينا..لفتاته ..مخارج ألفاظه الغير واضحة .تراه دائما والمنشفة في يده المبللة بالمياة،أو يمسك المقشة و الممسحة لينظف بهما الأرضية ..ملابسه مهلهلة رثة ..شعره أشعث .لقد أمعنت النظر فيه ..تفرست في شكله ..تأملت حاله ..قليلا ما يشكره أحد ،يرحل رواد المطعم ثم يعمل هو أو ينهي هو عمله قبل أن يحضروا هم .. ترى بما يشعر هو عندما يسمع تعليقات الآخرين على شكله و طوله .
لقد تحدثت معه عندما كان مريضا ،إن له قلبا و عقلا وحسا مثل كل إنسان ،يتألم للمرض ..فهو لا ينقصه الألم الجسدى فيكفيه الألم النفسى الذى اختار أن يتحمله بصمت ..تكفيه أحلامه المستحيلة ..قهر الناس و ظلم الحياة .جاءنى كي أكتب له دواءا،فقد وجد في نظرتى حنو و شفقة عليه ..رجوته أن يهتم بنفسه و صحته ..تعجب أن يجد من يعبأ به .زرته عندما ارتفعت حرارته و قل وعيه و كأنه اختار أن ينسى واقعه و يعيش في عالمه الذي طالما تمناه ..عالم الراحة الأبدية من معاناة الحياة ،سألتني أمه أتراه يعيش؟ ..مسكت يده شعرت بها ترتعش ..لا زالت مبتلة لكن اليوم من كثرة العرق .
مات فتى المطعم ..أتراها حياة تلك التى عاشها ؟الآن تحرر منها . ..لكن رواد المطعم لم يلاحظوا أنه غير موجود ..فهم يقومون بعد أن ينتهوا من طعامهم و يتركون المنضدة لينظفها بعدهم فتى ..أي فتى .
No comments:
Post a Comment