Tuesday, June 28, 2011

الطبيب أيضا يمرض

لا أستطيع أن ألوم الطقس السيئ...ففي هذا اليوم بالذات لم أكن قد استعددت جيدا.و خففت كثيرا من ملابسي..فأصابني فيروس (الإنفلونزا)..بدأت أسعل كثيرا و خفت أن يتطور الأمر.دلفت إلى عيادة طبيب يقطن في منطقتنا ..كل ما أعرفه عنه أن عيادته مليئة بالمرضى كل ساعة كل يوم ..حتى أنه ترك العمل الحكومي ليتفرغ لها. في هذا اليوم لم أجده..و كانت العيادة مغلقة .
ذهبت للبيت ..قررت أن أهتم بنفسي ..أعددت كوب ليمون دافيء..و أخذت قرصا مسكنا و تلحفت بالغطاء و لبست عباءة من صوف.و فتحت "التليفزيون"..كانت ساعة الأخبار.تلاحقت الكثير من أخبار العالم السيئة في أغلبها.اجتذبت أخبار فساد رجال البرلمان اهتمامي..و بدأت أتساءل..إذا كانت الصفوة فاسدة..و إذا كان من تم (إختيارهم )ليصلحوا أحوال الشعب يحتاجون لمن يصلحهم ..فما بالك بباقي الأمة . تذكرت زميل لي كنت أعرفه بالمرحلة الابتدائية و عرفت بعد سنوات أنه اتجه لإدمان المخدرات على الرغم من سمعة عائلته.على القناة الأخرى أنباء القتل و التدمير و كلها سببتها قرارت غرضها الهيمنة والسيطرة من أناس وثفت شعوبهم بهم ثم فوجئوا أنهم مرضى محبين للسلطة متعطشين للدماء.
قد يصيب الخلل كل شئ .. و أسوأ شئ أن يصيب الدماغ المنوط به التحكم في الجسم كله ..إذ يصبح الجسم بعدها كله معطل..يحدث هذا عندما يفسد الساسة و الرؤساء و يضل الدعاة و القادة.
أغلقت التليفزيون .. و أغمضت عيناي..جميعنا نحتاج في أحيان كثيرة أن نصحح مسارنا و نعترف بأخطاءنا..أنا مرضت لأني مهمل و زميلي انحرف لأنه أخطأ..لا أحد فوق التأديب..و خير أن يقع التأديب على شخص واحد من أن تنهار قيم المجتمع كله .
بعد يومين قررت أن أذهب ثانية لعيادة الطبيب..فبرغم ما شعرت به من تحسن ..إلا أنني أردت نصيحة متخصصة.وجدت باب العيادة مفتوحا .. دفعت ثمن الكشف ..ودخلت للطبيب الذي ما إن رأني حتى سعل كثيرا.. ثم قال "تفضل بالدخول" ..رأيت أنفه الحمراء .. عينه المتوهجة المنتفخة .. و الدموع تملأها..قلت له "لقد جئتك منذ يومين و لم أجدك.. و كانت العيادة مغلقة" .قال "أنا أسف..فقد أصابتني الإنفلونزا(يسعل).. فأخدت راحة لمدة يومين و لازالت أثارها باقية معي.. و لعلك تلاحظ ذلك".أومأت برأسي ..غير متعجب..و ابتسمت و أنا أتمتم "نعم..فالطبيب ايضا ..قد يمرض".

Wednesday, June 8, 2011

انتحار متسلسل

جلس ثلاثتهم بنفس "الكافيه" ..شربوا نفس الشاي.. و قضوا نفس الوقت ..رغم أنهم لا يعرفون بعضهم بعضا.
الأول.. جلس هائما.. يحلم بالحياة و الحب و الجمال..ينظر للمستقبل بشغف و يفرح بالحاضر ..الأن  تبدد ماضي البائس و أصبحت الحياة حلوة..و أيامها لذيذة ..فقد و جد ضالته و قصة حبه ..و اقتنع كل الاقتناع أنها نعمته و نصيبه ..حلم و أغمض عينيه على رسم القمر الفضي و تلألأت في خياله النجوم..رن جرس الهاتف بشدة أزعجته ..نفس الصوت.. بنبرة كسيرة ..أسفة ..انتهى كل شيء..بيننا..قام واهنا ..عيناه تائهة ..ترك المقهى الى بيته ..في الصباح و جدت جثته مشنوقة بحبل قديم..
الثاني ..جلس شاردا ..يحسب و يعد.. بأصابعه ..الورقة في يد و القلم في الأخرى...يكتب أيام الأسبوع و أمام كل يوم بنود متكررة ..الخبز .. الكهرباء..المواصلات ....الايجار....الأقساط ..الديون.يكتب ..ثم يشطب..ثم يشرد..ثم يقلب يديه..ثم يصفق..ثم يصيح عاليا.."غير كاف..غير كاف..ماذا أفعل في كذا ..و من أين أدفع كذا.. و مدارس الأولاد و كسوة العيد"..قام واهنا ..عيناه تائهة ..ترك المقهي نحو النهر ..في الصباح وجدت جثته طافية على سطح الماء..
الثالث ..جلس حزينا..فقد عرف للتو نتيجة امتحان السنة النهائية..لم يتوقع الرسوب و هو الذي اعتاد التفوق و أدمنه ..أبوه يصارع الموت ..اكتأب لقرب فقده ..و هو ملهمه و مثله الأعلى..و أنيس وحدته..فقد الطموح و الدافع.. للنجاح..وللحياة..فقد عاش و نجح ..من أجل والده..و ها هو والده يموت ..فما الداعي للوجود بعده..قام واهنا ..عيناه تائهة ..ترك المقهي نحو المستشفي ..في الصباح وجدت جثته بجانب جثة أبيه.
الواضح أن هناك لحظة من الحياة لو توقف عندها الزمن لمنع مسلسلا من الموت..قد تطول اللحظة و قد تقصر..لحظة فقد أو فراق.. لحظة ضعف أو ضيق..لحظة عناد أو قرار..
كانت تلك اللحظة في حياة أصحابنا عندما جلس ثلاثتهم بنفس "الكافيه"..شربوا نفس الشاي..وقضوا نفس الوقت .................