جلس ثلاثتهم بنفس "الكافيه" ..شربوا نفس الشاي.. و قضوا نفس الوقت ..رغم أنهم لا يعرفون بعضهم بعضا.
الأول.. جلس هائما.. يحلم بالحياة و الحب و الجمال..ينظر للمستقبل بشغف و يفرح بالحاضر ..الأن تبدد ماضي البائس و أصبحت الحياة حلوة..و أيامها لذيذة ..فقد و جد ضالته و قصة حبه ..و اقتنع كل الاقتناع أنها نعمته و نصيبه ..حلم و أغمض عينيه على رسم القمر الفضي و تلألأت في خياله النجوم..رن جرس الهاتف بشدة أزعجته ..نفس الصوت.. بنبرة كسيرة ..أسفة ..انتهى كل شيء..بيننا..قام واهنا ..عيناه تائهة ..ترك المقهى الى بيته ..في الصباح و جدت جثته مشنوقة بحبل قديم..
الثاني ..جلس شاردا ..يحسب و يعد.. بأصابعه ..الورقة في يد و القلم في الأخرى...يكتب أيام الأسبوع و أمام كل يوم بنود متكررة ..الخبز .. الكهرباء..المواصلات ....الايجار....الأقساط ..الديون.يكتب ..ثم يشطب..ثم يشرد..ثم يقلب يديه..ثم يصفق..ثم يصيح عاليا.."غير كاف..غير كاف..ماذا أفعل في كذا ..و من أين أدفع كذا.. و مدارس الأولاد و كسوة العيد"..قام واهنا ..عيناه تائهة ..ترك المقهي نحو النهر ..في الصباح وجدت جثته طافية على سطح الماء..
الثالث ..جلس حزينا..فقد عرف للتو نتيجة امتحان السنة النهائية..لم يتوقع الرسوب و هو الذي اعتاد التفوق و أدمنه ..أبوه يصارع الموت ..اكتأب لقرب فقده ..و هو ملهمه و مثله الأعلى..و أنيس وحدته..فقد الطموح و الدافع.. للنجاح..وللحياة..فقد عاش و نجح ..من أجل والده..و ها هو والده يموت ..فما الداعي للوجود بعده..قام واهنا ..عيناه تائهة ..ترك المقهي نحو المستشفي ..في الصباح وجدت جثته بجانب جثة أبيه.
الواضح أن هناك لحظة من الحياة لو توقف عندها الزمن لمنع مسلسلا من الموت..قد تطول اللحظة و قد تقصر..لحظة فقد أو فراق.. لحظة ضعف أو ضيق..لحظة عناد أو قرار..
كانت تلك اللحظة في حياة أصحابنا عندما جلس ثلاثتهم بنفس "الكافيه"..شربوا نفس الشاي..وقضوا نفس الوقت .................
No comments:
Post a Comment